منذ انتهاء ولايته في عام 2017، أثار عدم ترشح خالد مشعل مجددًا لقيادة حركة حماس تساؤلات واسعة، خاصة في ظل دوره التاريخي والمحوري داخل الحركة. فما هي الأسباب التي دفعت مشعل لعدم الترشح مرة أخرى؟ هل يعود الأمر إلى ضغوط داخلية أم أنه يعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى؟
التحول في القيادة الداخلية لحماس
منذ تأسيسها، مرت حركة حماس بتطورات كبيرة على مستوى القيادة، حيث تولت قيادة الحركة شخصيات مؤثرة من الداخل الفلسطيني والخارج. خالد مشعل كان واحداً من القادة الذين قادوا الحركة من الخارج، خاصة من قطر وسوريا، منذ فترة التسعينيات. ولكن مع الوقت، وبسبب التطورات على الأرض في غزة، برزت شخصيات أخرى مثل يحيى السنوار وإسماعيل هنية، الذين لهم حضور قوي على المستوى الميداني والداخلي
خالد مشعل، بصفته قائدًا في الخارج، قد أدرك أن الظروف تتطلب قيادة محلية قريبة من الأحداث اليومية على الأرض، خاصة في قطاع غزة الذي شهد معارك مستمرة مع إسرائيل. بناءً على ذلك، قد يكون قرار مشعل بعدم الترشح مرتبطًا برغبته في إفساح المجال للقيادة الداخلية، التي لديها خبرة أكبر في التعامل مع التحديات الميدانية المباشرة
التركيز على الدور الدبلوماسي الخارجي
خلال فترة رئاسته للمكتب السياسي لحماس، كان خالد مشعل يلعب دوراً أساسياً في تعزيز علاقات الحركة مع العالم الخارجي، وخاصة مع الدول الداعمة مثل قطر وتركيا وإيران. بعد تخليه عن القيادة، استمر مشعل في لعب هذا الدور من خلال تعزيز الجهود الدبلوماسية والسياسية
عدم ترشحه لرئاسة الحركة قد يعكس أيضاً رغبته في التركيز على هذا الجانب الدبلوماسي، إذ يرى أن دوره في تعزيز العلاقات الدولية والاستراتيجية الإقليمية للحركة لا يقل أهمية عن القيادة الميدانية. مشعل قد يكون أدرك أن هذا الدور يتطلب وجودًا أكثر استقلالية بعيدًا عن الضغوط اليومية التي تواجه القيادة العسكرية والسياسية في غزة
تجنب الانخراط المباشر في التعقيدات السياسية
خالد مشعل، رغم مكانته القوية داخل حماس، قد يكون اختار الابتعاد عن القيادة المباشرة تجنبًا للدخول في التعقيدات السياسية الداخلية والخارجية. مع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية على حركة حماس، والتحديات التي تواجهها من قبل إسرائيل والمجتمع الدولي، قد يكون مشعل فضل عدم الانخراط بشكل مباشر في هذه الأزمات، مفضلاً أن يلعب دور المستشار أو المحرك من الخلف
كما أن الحركة مرت بتحولات داخلية كبيرة، حيث تزايدت المنافسة بين الأجنحة المختلفة، وخاصة بين القيادات العسكرية والسياسية. وقد تكون هذه التحولات هي الأخرى دفعت مشعل إلى تفضيل الابتعاد عن القيادة المباشرة لترك المجال للجيل الجديد الذي لديه رؤية مغايرة.
المخاوف الأمنية والشخصية
من المعروف أن خالد مشعل تعرض لمحاولة اغتيال من قبل المخابرات الإسرائيلية (الموساد) في الأردن عام 1997. رغم نجاته، إلا أن هذه الحادثة تركت أثرًا عميقًا على مشعل. مع تصاعد وتيرة العنف والتهديدات المستمرة من قبل إسرائيل، قد يكون مشعل اختار الابتعاد عن الأضواء حفاظًا على سلامته وسلامة عائلته
كما أن القيادة العسكرية والسياسية في غزة تعيش تحت تهديد مستمر، سواء من خلال الاستهداف العسكري المباشر أو من خلال العمليات الاستخباراتية. وبناءً على ذلك، قد يكون مشعل فضل أن يبقى بعيدًا عن المخاطر المباشرة التي تواجهها القيادات الميدانية
إفساح المجال للجيل الجديد
خالد مشعل يدرك تمامًا أهمية تجديد القيادة داخل حماس، ومنحه الفرصة للجيل الجديد من القيادات يعزز من تماسك الحركة ويساعد على ضخ دماء جديدة في صفوفها. تعيين قيادات شابة مثل يحيى السنوار وإسماعيل هنية يمثل تحولًا في استراتيجية الحركة، حيث تعتمد على القيادات الميدانية المتواجدة على الأرض بشكل مباشر
مشعل قد يرى أن دوره الرئيسي انتهى مع تحقيق الاستقرار الداخلي للحركة على مستوى القيادة، وأن القيادة الجديدة قادرة على مواجهة التحديات الراهنة. كما أن حماس تعيش في مرحلة تستوجب دمج خبرات جديدة تلبي متطلبات المرحلة الراهنة من الصراع مع إسرائيل والتحولات السياسية الإقليمية
في النهاية، يبقى السؤال مطروحاً: هل كان قرار خالد مشعل بعدم الترشح لرئاسة حركة حماس تهرباً من المسؤولية أم خوفاً من المخاطر الأمنية؟ الحقيقة أن الوضع أكثر تعقيداً من مجرد هذين الاحتمالين. مشعل، الذي كان دائماً في قلب الحركة وساهم في صياغة استراتيجياتها الدولية، اختار الابتعاد عن القيادة الميدانية في وقت حساس لعدة أسباب استراتيجية تتعلق بتوزيع الأدوار وتجديد الدماء داخل الحركة
رؤية الغد تتابع الحدث
إرسال تعليق