في خطوة مثيرة للجدل، أقدمت إدارة قناة 2M على إيقاف الصحفي والمذيع البارز وديع دادا عن مهامه كرئيس تحرير ومقدم لنشرة الأخبار "إنفو سوار" ابتداءً من يوم الاثنين 21 أكتوبر 2024. القرار أثار عاصفة من الانتقادات في الأوساط الإعلامية والحقوقية المغربية، حيث اعتبرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية (SNPM) أن هذا الإجراء يعود بالأساس إلى النشاط النقابي الذي انخرط فيه دادا، وذلك بعد تأسيس تنسيقية نقابية داخل القناة تهدف إلى الدفاع عن حقوق العاملين في المؤسسة.
خلفية القرار: الصراع النقابي
منذ تأسيس تنسيقية نقابة الصحافة المغربية (SNPM) داخل قناة 2M، بدأت العلاقة بين الإدارة والعاملين تشهد توترات متزايدة. وقد لعب وديع دادا دورًا بارزًا في هذه التحركات النقابية، وهو ما يبدو أنه لم يرق للإدارة. وفقًا لبيان صادر عن SNPM، فإن القرار بإيقاف دادا جاء رد فعل مباشر من حميد سعدني، المدير السابق للأخبار بالقناة، الذي شعر بالإحباط بعد أن رفض رؤساء التحرير في القناة تمديد عقده الذي انتهى بعد وصوله إلى سن التقاعد.
يعتبر الكثيرون أن هذا الصراع هو جزء من معركة أوسع نطاقًا داخل القناة، حيث يسعى البعض للحفاظ على نفوذهم في مقابل حركة جديدة تطالب بحقوق أكبر للعاملين وظروف عمل أفضل. من وجهة نظر النقابة، فإن القرار ضد دادا ليس إلا محاولة للانتقام من شخص كان دائمًا في مقدمة الدفاع عن حقوق زملائه.
الانتقام الشخصي: صراع السلطة داخل القناة
حميد سعدني، المدير السابق للأخبار، يعتبر محور هذا الصراع. بعد أن أمضى سنوات طويلة في منصبه، وجد نفسه أمام قرار رؤساء التحرير في 2M بعدم تمديد عقده. وكان هذا الرفض بمثابة شرارة دفعت سعدني إلى استهداف بعض العاملين في القناة الذين شاركوا في تأسيس التنسيقية النقابية، وعلى رأسهم أوادح دادا.
ما يزيد من تعقيد الوضع هو أن سعدني ليس مجرد موظف سابق في القناة؛ بل يعتبره البعض من الشخصيات النافذة في الإعلام المغربي، وقد تمكن خلال مسيرته المهنية من بناء شبكة علاقات واسعة داخل القناة وخارجها. لذا، فإن قراره بمضايقة أعضاء التنسيقية النقابية لم يكن مفاجئًا للكثيرين الذين يرون فيه محاولة لاستعادة السيطرة على الأمور بعد أن فقد نفوذه الإداري.
النشاط النقابي بين الترهيب والمقاومة
قرار إيقاف وديع دادا، الذي يعتبر واحدًا من أبرز الصحفيين في 2M، لم يكن سوى ذروة لسلسلة من الإجراءات الترهيبية التي مارستها الإدارة ضد العاملين في القناة منذ تأسيس التنسيقية النقابية. النقابة الوطنية للصحافة المغربية أكدت في بيانها أن هذه الإجراءات تهدف بالأساس إلى ترهيب أكثر من مائة صحفي وصحفية وموظف في القناة، من أجل منعهم من الانضمام إلى النقابة أو المشاركة في أي أنشطة نقابية.
ما يثير القلق هو أن هذه الإجراءات تأتي في وقت يعاني فيه القطاع الإعلامي المغربي من تحديات كبيرة، سواء من حيث حقوق العاملين أو من حيث حرية التعبير. العاملون في قناة 2M ليسوا وحدهم الذين يواجهون هذه الضغوط، بل إن العديد من المؤسسات الإعلامية في المغرب تشهد مشكلات مماثلة تتعلق بالصراع بين الإدارات والعاملين.
تحديات أمام الإعلام المغربي
قرار إيقاف وديع دادا جاء في وقت حساس للغاية بالنسبة للإعلام المغربي. خلال السنوات الأخيرة، شهد القطاع الإعلامي تحولات كبيرة، خاصة مع ظهور الإعلام الرقمي وتراجع الإعلام التقليدي. هذه التحولات أثرت بشكل مباشر على ظروف العمل داخل المؤسسات الإعلامية، حيث بات الصحفيون يواجهون ضغوطًا متزايدة للحفاظ على جودة المحتوى في ظل نقص الموارد والإمكانات.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني الصحفيون في المغرب من تحديات أخرى تتعلق بالحرية الصحفية. ورغم أن الدستور المغربي يكفل حرية التعبير والصحافة، إلا أن الواقع يشير إلى أن العديد من الصحفيين يواجهون عقبات وصعوبات في ممارسة عملهم بحرية. وما حدث مع وديع دادا يعد مثالًا واضحًا على هذا التحدي، حيث أصبح النشاط النقابي، الذي من المفترض أن يكون حقًا مكفولًا للعاملين، سببًا لاستهداف الصحفيين وترهيبهم.
ردود الفعل: تضامن واسع واستنكار دولي
توقيف وديع دادا لم يمر دون استنكار واسع في الأوساط الإعلامية والحقوقية. العديد من الصحفيين والناشطين في المغرب وخارجه أبدوا تضامنهم مع دادا، معبرين عن قلقهم من تزايد استهداف الصحفيين الذين يشاركون في الأنشطة النقابية.
الجمعيات الحقوقية أيضًا دخلت على خط القضية، حيث اعتبرت أن هذا القرار يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الصحفيين وحرية العمل النقابي. وقد دعت هذه الجمعيات السلطات المغربية إلى التدخل من أجل حماية حقوق العاملين في القطاع الإعلامي وضمان عدم تكرار مثل هذه الأحداث.
من جانبها، لم تعلق إدارة 2M بشكل رسمي على هذه الاتهامات، لكنها أكدت أن القرار يأتي في إطار "إعادة تنظيم" العمل داخل القناة. ورغم هذا التصريح، إلا أن الكثيرين يرون أن الحقيقة وراء القرار تتعلق بالانتقام من دادا بسبب نشاطه النقابي.
مستقبل الإعلام المغربي: إلى أين؟
ما حدث مع وديع دادا يثير تساؤلات حول مستقبل الإعلام المغربي، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها العاملون في هذا القطاع. هل سيستمر استهداف الصحفيين الذين يسعون إلى تحسين ظروف عملهم؟ وهل سيتمكن الإعلام المغربي من الحفاظ على استقلاليته في ظل هذه الضغوط؟
النشاط النقابي داخل المؤسسات الإعلامية يظل ضروريًا لضمان حقوق العاملين وتحسين ظروفهم. ولكن إذا كانت الإدارات ستواصل استهداف الصحفيين بسبب نشاطهم النقابي، فإن ذلك سيؤدي إلى تدهور جودة الإعلام في المغرب.
الحاجة إلى إصلاحات جذرية
لحل هذه المشكلة، تحتاج المؤسسات الإعلامية في المغرب إلى إجراء إصلاحات جذرية تضمن حقوق الصحفيين وتحميهم من أي استهداف بسبب نشاطهم النقابي. كما أن السلطات المغربية مدعوة إلى التدخل من أجل ضمان تطبيق القوانين التي تكفل حرية الصحافة وحقوق العاملين.
في النهاية، فإن قرار إيقاف وديع دادا عن العمل يمثل نقطة تحول في المشهد الإعلامي المغربي. وإذا لم يتم التعامل مع هذه القضية بحكمة وعدالة، فإن ذلك قد يؤدي إلى تصاعد التوترات داخل المؤسسات الإعلامية ويهدد مستقبل الإعلام المستقل في المغرب.
خاتمة: القضية مستمرة
ما حدث مع وديع دادا ليس سوى فصل من فصول الصراع بين الصحفيين والإدارات في المؤسسات الإعلامية المغربية. القضية لا تزال مستمرة، والتحركات النقابية تتواصل للدفاع عن حقوق العاملين. السؤال الذي يطرحه الجميع الآن: هل ستصمد التنسيقية النقابية أمام هذه الهجمة؟ وهل ستتخذ الجهات الرسمية موقفًا حاسمًا لدعم حرية الصحافة وحماية الصحفيين؟
مع استمرار تصاعد التوترات، يبقى الأمل معقودًا على تحقيق إصلاحات حقيقية تضمن مستقبلًا أفضل للإعلام المغربي والعاملين فيه، وتضع حدًا لاستهداف الصحفيين بسبب نشاطهم النقابي.
إرسال تعليق