آخر الأخبار

انهيار التحالف الحاكم في ألمانيا وإقالة وزير المالية ليندنر – انتخابات مبكرة تلوح في الأفق

المستشار الألماني أولاف شولتز يتحدث في مؤتمر صحفي بعد إقالة وزير ماليته والإعلان عن مسار لإجراء انتخابات جديدة

برلين - في مساء الأربعاء، شهدت ألمانيا واحدة من أكبر الهزات السياسية في تاريخها الحديث، مع انهيار التحالف الثلاثي الحاكم في البوندستاغ (البرلمان الألماني). جاء هذا الانهيار بعد أن أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز قراره بإقالة وزير المالية كريستيان ليندنر، في خطوة تهدف إلى إخراج حزب الديمقراطيين الأحرار المحافظ من التحالف، ما يمهد الطريق لانتخابات مبكرة مرتقبة في مارس المقبل. وبهذا القرار، يتعين على شولتز مواجهة تصويت بسحب الثقة في 15 يناير، حيث يُتوقع على نطاق واسع أن يخسر هذا التصويت، مما سيؤدي مباشرة إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة.

التوترات داخل التحالف بدأت تتصاعد منذ شهور، حيث واجه شولتز صعوبات متزايدة في التعامل مع مطالب حزب الديمقراطيين الأحرار بشأن تقييد الإنفاق الحكومي وضرورة تخفيض الضرائب، في وقت كانت الأحزاب الأخرى في التحالف تدعو إلى تعزيز الإنفاق على المشاريع الاجتماعية والاقتصادية لدعم الصناعة الألمانية المتضررة من الركود.

الأزمة الاقتصادية والتحديات المالية

القضايا الاقتصادية كانت واحدة من أكبر العقبات التي أدت إلى انهيار هذا التحالف. فبينما ركز ليندنر، وزير المالية وزعيم حزب الديمقراطيين الأحرار، على ضرورة الالتزام بالصرامة المالية وخفض الضرائب كوسيلة لتحفيز النمو، رأى شولتز وأعضاء آخرون في التحالف ضرورة تخصيص مزيد من الأموال لدعم الصناعات الألمانية ولتقديم مزيد من الدعم المالي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا.

وفي الوقت الذي يتوقع أن تواجه ألمانيا فجوة مالية كبيرة تقدر بـ2.4 مليار يورو في ميزانية عام 2025، واصل ليندنر رفض أي مساعي لتخفيف القواعد المالية، مما دفع شولتز إلى اتخاذ قراره بإقالته.

عواقب سياسية واقتصادية تتجاوز حدود ألمانيا

هذا الانهيار السياسي في ألمانيا يأتي بعد ساعات فقط من فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وهي نتيجة أدت إلى صدمة في الأوساط السياسية الألمانية والأوروبية. فالتحالف الحاكم في ألمانيا كان يأمل في الحفاظ على وحدته خلال هذه الفترة الحرجة، خوفًا من التوترات الاقتصادية المحتملة مع الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب، والتي قد تؤدي إلى فرض تعريفات جمركية جديدة تؤثر سلبًا على قطاع الصناعة الألماني.

وقد أظهر تحليل من معهد الاقتصاد الألماني (IW) أن حربًا تجارية جديدة قد تكلف ألمانيا حوالي 180 مليار يورو خلال فترة رئاسة ترامب المقبلة. وقد دفعت هذه التوقعات الاقتصادية العديد من الساسة الألمان إلى الاعتقاد بأن التهديدات الخارجية قد تساعد في توحيد الصفوف داخل التحالف. إلا أن الانقسامات الداخلية كانت أعمق مما يمكن تجنبه، حيث أعرب العديد من القادة الألمان عن قلقهم من تداعيات هذا الانهيار على مستقبل الاستقرار الأوروبي.

تصاعد التوترات بين الأحزاب الحاكمة

أحد أهم الأسباب التي أدت إلى انهيار التحالف هو الاختلاف الجوهري بين رؤى حزب الديمقراطيين الأحرار والحزبين الآخرين في التحالف، خاصة فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والبيئية. فقد أصدر ليندنر ورقة سياسة تطالب بإصلاحات اقتصادية ليبرالية تتضمن تخفيض الضرائب وتخفيف القوانين المتعلقة بالسياسات المناخية، وهو ما رفضته الأحزاب الأخرى.

وفي خطاب مؤثر، قال شولتز إنه طلب من ليندنر التخفيف من القيود المالية للسماح بتقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا، إلا أن ليندنر رفض ذلك، مدعيًا أن هذا القرار سيتعارض مع قسمه الوظيفي. كما انتقد ليندنر سياسات شولتز الاقتصادية، مدعيًا أن المستشار "فشل منذ فترة طويلة في إدراك الحاجة إلى نهضة اقتصادية جديدة في ألمانيا".

في المقابل، وصف وزير الاقتصاد روبرت هابيك من حزب الخضر هذا الانهيار بأنه "مأساوي"، معبرًا عن حزنه في يوم وصفه بأنه يجب أن يكون يومًا للوحدة الألمانية والتعاون في مواجهة التحديات الأوروبية.

انتخابات مبكرة وتوقعات بتغيير سياسي كبير

من المتوقع أن تقود الانتخابات المبكرة المقبلة إلى صعود الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، الذي يحظى بتقدم واسع في استطلاعات الرأي حاليًا. وقد اتجه هذا الحزب، الذي ينتمي لليمين المعتدل، نحو اليمين بشكل أكبر فيما يتعلق بسياسات الهجرة، مع تأكيده أيضًا على ضرورة تعزيز المساعدات العسكرية لأوكرانيا.

الانهيار السياسي في ألمانيا يشير إلى فترة من عدم الاستقرار قد تؤثر على السياسة الأوروبية بشكل عام. وبالنظر إلى مكانة ألمانيا كمحرك أساسي للاتحاد الأوروبي، فإن هذه الأزمة قد تمتد تأثيراتها إلى الدول الأخرى في القارة.

 تحذيرات لمستقبل أوروبا

مع اقتراب موعد التصويت على الثقة في البرلمان الألماني، ينتظر الجميع بترقب نتائج هذا القرار المصيري. فالخلافات السياسية المتصاعدة والانهيار غير المتوقع للتحالف الحاكم في ألمانيا يعكسان مرحلة جديدة من الاضطرابات التي قد تؤدي إلى تغييرات جوهرية في التوجهات السياسية والاقتصادية للبلاد.

وفي حال خسر شولتز التصويت على الثقة، فمن المتوقع أن تشهد ألمانيا فترة من الحملات الانتخابية الحامية، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى استقرار داخلي لمواجهة التحديات الخارجية. إن ألمانيا، التي تعتبر من أكبر اقتصادات العالم، قد تجد نفسها أمام اختبار صعب، فإما أن تنهض موحدة وتستعيد استقرارها، أو تستمر في دوامة من الانقسامات التي قد تؤدي إلى تداعيات واسعة على مستقبل الاتحاد الأوروبي

رؤية الغد تتابع الحدث


Post a Comment

أحدث أقدم