وسائل النقل العام: الدار البيضاء |
النقل الجماعي: خدمة عامة أم مشروع ربحي؟
النقل الجماعي يُعد في الأساس خدمة عامة تهدف إلى تسهيل تنقل المواطنين بتكاليف معقولة، والحد من الازدحام المروري وتقليل الانبعاثات الكربونية. لكن الواقع في كثير من الأحيان يظهر صورة مختلفة تمامًا. بدلًا من أن تُستخدم عائدات الإعلانات لتحسين جودة الخدمات أو تخفيض أسعار التذاكر، يبدو أن الأولوية تُمنح لتعظيم أرباح الشركات.
التذاكر والإعلانات: من يدفع الثمن الحقيقي؟
يدفع المواطن ثمن تذكرة يومية أو شهرية، يتوقع مقابلها خدمة جيدة ومريحة. ومع إضافة الإعلانات على الحافلات، تتحول هذه الأخيرة إلى لوحات إعلانية متحركة. لكن السؤال المحوري هو: هل يستفيد المواطن من هذا الدخل الإضافي؟ أم أنه مجرد شريك صامت في إثراء الشركات دون أي مردود حقيقي؟
الترويج للبعد البيئي: حقيقة أم استراتيجية تسويقية؟
تروج الشركات المكلفة بالنقل الجماعي لفكرة أن استخدام الحافلات يقلل من الانبعاثات الكربونية، وبالتالي يُسهم في الحفاظ على البيئة. ولكن هل هذه الادعاءات مبنية على استراتيجيات واضحة ومستدامة؟ أم أنها مجرد شعارات تُستخدم لإقناع الناس بقبول خدمات أقل جودة؟
المعضلة البيئية
في كثير من الحالات، تكون الحافلات المخصصة للنقل الجماعي قديمة وتستهلك كميات كبيرة من الوقود. في مثل هذه الظروف، هل يمكن اعتبارها صديقة للبيئة؟ الإجابة تعتمد على سياسات الشركة ومدى التزامها بتطوير أسطولها ليكون أكثر كفاءة وأقل ضررًا بالبيئة.
أين تذهب أموال الإعلانات؟
عندما يُسأل مسؤولو شركات النقل الجماعي عن الغاية من استخدام الإعلانات، غالبًا ما تكون الإجابة أنها تُساعد في دعم ميزانية التشغيل أو تحسين الخدمات. لكن الواقع يشير إلى غياب الشفافية في كيفية توزيع هذه الأموال. فلا يرى المواطن أي انعكاس ملموس لتحسين الخدمات، بل تظل التكلفة المرتفعة وجودة الخدمة المتوسطة هما السمتان الغالبتان.
نماذج عالمية تقدم دروسًا
في دول مثل السويد وألمانيا، تُستخدم عائدات الإعلانات بشكل واضح لتحسين النقل الجماعي. هناك، يُوجه جزء من الدخل الإضافي لتخفيض أسعار التذاكر أو استبدال الحافلات القديمة بأخرى تعمل بالطاقة الكهربائية. لكن في العديد من الدول النامية، يبدو أن الإعلانات تُستخدم فقط كوسيلة لتعظيم الأرباح دون أي التزام تجاه تحسين الخدمة.
التجربة اليابانية
اليابان تقدم نموذجًا مختلفًا تمامًا، حيث يتم استثمار كل عائد إضافي في تطوير التكنولوجيا والبنية التحتية للنقل الجماعي. النتيجة هي نظام نقل عام لا يُنافس فقط السيارات الخاصة، بل يتفوق عليها.
المواطن بين الأعباء والتوقعات
في نهاية المطاف، يبقى المواطن الحلقة الأضعف. يدفع ثمن التذاكر، يتعرض للإعلانات، ويُطلب منه أن يصدق أن هذا كله يصب في مصلحته. لكن الحقيقة هي أنه يظل محاصرًا بين تكاليف مرتفعة وخدمات محدودة.
ما الذي يمكن تغييره؟
لحل هذه الإشكالية، يمكن التفكير في الخطوات التالية:
- الشفافية المالية: يجب على الشركات أن تُصدر تقارير توضح بالتفصيل كيفية استخدام عائدات الإعلانات.
- تحسين الجودة: يجب تخصيص جزء من هذه العائدات لتطوير الأسطول وتحسين تجربة الركاب.
- خفض التكلفة: يمكن توجيه الدخل الإضافي لتخفيض أسعار التذاكر، مما سيُشجع المزيد من الناس على استخدام النقل الجماعي.
- رقابة حكومية: يتطلب الأمر تدخل السلطات لتنظيم هذا القطاع وضمان أن تكون أولويته خدمة المواطن.
بين الواقع والمأمول
الإعلانات في النقل الجماعي ليست بالضرورة أمرًا سلبيًا، لكنها تصبح مشكلة عندما تُستخدم فقط لإثراء الشركات دون أن يشعر المواطن بأي تحسن. إذا أرادت هذه الشركات كسب ثقة الناس، فعليها أن تثبت أن عائدات الإعلانات تُستخدم بشكل يخدم الصالح العام.
والسؤال الذي يظل معلقًا: هل ستشهد الأيام القادمة نقلة نوعية في هذا القطاع، أم أن المواطن سيظل يدفع الثمن في كل الأحوال؟
رؤية الغد تتابع الحدث
إرسال تعليق