![]() |
نزع فتيل الأزمة السياسية في جورجيا: نجاح للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي؟ |
شهدت الأيام الماضية تعيين ميخائيل كافيلاشفيلي، اللاعب السابق لنادي مانشستر سيتي، رئيسًا لجورجيا، وهو القرار الذي أثار موجة من الجدل والغضب في الشارع الجورجي. تم انتخابه من قبل برلمان يعتبره المعارضون "غير شرعي"، وسط رفض تام من المعارضة ومقاطعتها للبرلمان احتجاجًا على الانتخابات البرلمانية التي جرت في أكتوبر الماضي، والتي وُصفت بأنها "مزورة".
الاحتجاجات: أصوات الشعب ضد الاستبداد
بدأت الاحتجاجات على نطاق محدود بعد الانتخابات، لكنها تصاعدت بشكل كبير في 28 نوفمبر، عندما أعلنت الحكومة قرارًا مثيرًا للجدل بتجميد مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي حتى عام 2028. الشوارع والميادين امتلأت بالمتظاهرين الذين رفعوا أعلام الاتحاد الأوروبي وطالبوا بإجراء انتخابات جديدة.
الاحتجاجات لم تقتصر على النشطاء السياسيين، بل شملت محامين، وصحفيين، وممثلين، وحتى عاملين في قطاع التكنولوجيا. وقد تحولت هذه المظاهرات إلى مشهد يومي يعبر فيه المواطنون عن غضبهم من الوضع الراهن.
كافيلاشفيلي: شخصية مثيرة للجدل
تعيين ميخائيل كافيلاشفيلي، البالغ من العمر 53 عامًا، جاء بصفته المرشح الوحيد للرئاسة، وهو مؤسس حزب "قوة الشعب"، المعروف بخطابه المناهض للغرب. كافيلاشفيلي وجه اتهامات للمعارضة بالعمل كـ"طابور خامس" بتوجيه خارجي، ووصف الرئيسة المنتهية ولايتها سالومي زورابيشفيلي بأنها "عميلة أجنبية".
لكن الجدل لا يتوقف هنا. كافيلاشفيلي، الذي دخل السياسة بعد منعه من الترشح لرئاسة الاتحاد الجورجي لكرة القدم، يروج لقوانين مثيرة للجدل مثل قانون "العملاء الأجانب"، الذي يرى المعارضون أنه مستوحى من القوانين الروسية لتقييد الحريات.
الأزمة السياسية: بين الشرق والغرب
جورجيا، التي تُعرف بنظامها البرلماني حيث يكون الرئيس رمزًا للدولة، تجد نفسها في خضم صراع بين تطلعات الشعب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وسياسات الحكومة التي يتهمها البعض بالتقارب مع روسيا.
حزب "الحلم الجورجي"، الذي تأسس على يد الملياردير بيدزينا إيفانيشفيلي، يواجه اتهامات بتقويض الديمقراطية وسحب البلاد نحو النفوذ الروسي. الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أدانا بشدة ما وصفوه بـ"التراجع الديمقراطي"، حيث فرضت واشنطن قيودًا على تأشيرات دخول بعض المسؤولين الحكوميين.
وفقًا لتقارير منظمة الشفافية الدولية، شهدت الاحتجاجات اعتقالات واسعة النطاق طالت أكثر من 460 شخصًا، بينهم صحفيون وناشطون. وتحدثت التقارير عن تعرض أكثر من 300 شخص لممارسات غير إنسانية، بما في ذلك التعذيب.
ردود فعل دولية متزايدة
الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر انضمام جورجيا إليه حلمًا لشعبها، أدان استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين. كما هدد بفرض عقوبات على الحكومة الجورجية إذا استمرت في سياساتها القمعية.
وفي واشنطن، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن فرض قيود على تأشيرات دخول مسؤولين جورجيين. لكن هذه الخطوات لم تهدئ الشارع الجورجي، الذي يطالب بإجراءات أكثر صرامة تشمل فرض عقوبات على إيفانيشفيلي، الرجل الأقوى في جورجيا.
الشعب يُطالب بالتغيير
المتظاهرون يطالبون بمزيد من الدعم الدولي لإنقاذ بلادهم من الانزلاق نحو الاستبداد. وفي الوقت نفسه، يزداد الضغط على الحكومة التي تصر على أن الوضع تحت السيطرة.
نهاية حقبة أم بداية جديدة؟
مع اقتراب نهاية ولاية الرئيسة سالومي زورابيشفيلي في ديسمبر، تتزايد التساؤلات حول مستقبل جورجيا. هل ستنجح المعارضة في الضغط لإجراء انتخابات جديدة؟ أم ستواصل الحكومة مسارها الحالي رغم الضغوط الداخلية والخارجية؟
الأزمة في جورجيا ليست مجرد صراع سياسي، بل هي اختبار لإرادة الشعب في تحقيق الديمقراطية، وصراع بين قوى تسعى إلى تأمين مستقبل أوروبي وآخرين يريدون إعادة البلاد إلى دائرة النفوذ الروسي.
ما القادم؟
في ظل استمرار الاحتجاجات وتصاعد الضغوط الدولية، تبقى جورجيا في مواجهة مفتوحة بين الماضي والمستقبل. الطريق نحو الحل يبدو طويلًا ومعقدًا، لكن إرادة الشعب قد تكون العامل الحاسم في كتابة الفصل القادم من تاريخ هذه الدولة الصغيرة، التي تحمل تطلعات شعبها أحلامًا كبيرة في الحرية والديمقراطية.
رؤية الغد تتابع الحدث
إرسال تعليق