سوريا: من هو أبو محمد الجولاني؟ |
البدايات المبهمة: نشأة قائد
ولد أحمد حسين الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني، في عام 1982 في مدينة درعا، جنوب سوريا. رغم قلة المعلومات الموثوقة عن حياته المبكرة، يُعتقد أنه كان طالبًا في كلية الطب قبل أن ينخرط في صفوف تنظيم القاعدة في العراق خلال الغزو الأمريكي عام 2003.
لم يكن انضمامه مجرد خطوة أيديولوجية، بل فرصة ليثبت نفسه ضمن شبكة الجهاد العالمي. تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، اكتسب الجولاني خبرة عسكرية وتنظيمية، وشارك في التخطيط للعديد من العمليات في العراق. هذه الفترة كانت بداية لصقل مهاراته كقائد يعرف كيف يدير الرجال والموارد في بيئات صعبة.
من القاعدة إلى النصرة: بداية فصل جديد
مع اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، أرسل أبو بكر البغدادي الجولاني إلى سوريا لتأسيس فرع محلي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق. كانت هذه الخطوة تهدف إلى توسيع نطاق التنظيم واستغلال الفوضى السورية لصالحه.
تأسست جبهة النصرة عام 2012 تحت قيادة الجولاني، وسرعان ما أثبتت قوتها على الأرض من خلال تنفيذ عمليات كبيرة، وجذب آلاف المقاتلين. ركز الجولاني على بناء علاقة جيدة مع السكان المحليين، محاولاً كسب الدعم الشعبي عبر تقديم خدمات اجتماعية، وهو تكتيك ميز النصرة عن غيرها من التنظيمات.
الانشقاق عن داعش: خطوة جريئة أم ضرورة استراتيجية؟
في 2013، برز خلاف عميق بين الجولاني والبغدادي. إعلان الأخير عن دمج جبهة النصرة مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قوبل برفض قاطع من الجولاني. هذا الانشقاق كان لحظة حاسمة في مسيرته، حيث اختار الولاء للقاعدة بدلاً من الاندماج مع داعش.
يُفسر هذا القرار بأنه يعكس رؤية الجولاني المختلفة تجاه كيفية إدارة الجماعات الجهادية. بينما تبنت داعش نهجًا قاسيًا وصداميًا أدى إلى نفور المجتمعات المحلية، أراد الجولاني الحفاظ على نهج أكثر "مرونة"، يُراعي التعقيدات المحلية ويعزز الدعم الشعبي.
إعادة تشكيل الهوية: من النصرة إلى هيئة تحرير الشام
في 2016، أعلن الجولاني فك ارتباط النصرة بتنظيم القاعدة وأعاد تسميتها بـ"جبهة فتح الشام"، ثم دمجها في تحالف أوسع تحت اسم "هيئة تحرير الشام" عام 2017.
هذه التحولات لم تكن مجرد تغييرات اسمية، بل تعكس محاولة الجولاني لإعادة صياغة هوية الجماعة بما يتناسب مع تطورات الصراع السوري. أراد الجولاني تقديم جماعته كقوة وطنية معارضة تسعى للإطاحة بالنظام السوري، بدلاً من جماعة جهادية عالمية مرتبطة بتنظيم القاعدة.
هيئة تحرير الشام: صعود الهيمنة العسكرية والسياسية
تمكنت هيئة تحرير الشام تحت قيادة الجولاني من السيطرة على محافظة إدلب، آخر معقل كبير للمعارضة السورية. هذا الإنجاز جاء نتيجة تحالفات معقدة وصراعات مع جماعات أخرى مثل أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي.
رغم الانتقادات التي وُجهت إليه، نجح الجولاني في توحيد أجزاء كبيرة من المعارضة المسلحة تحت رايته. ومع ذلك، تعرضت الجماعة لاتهامات بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين والمعارضين، مما أثار تساؤلات حول مصداقية خطابها.
براغماتية الجولاني: انتهازية أم ضرورة؟
يرى البعض أن تحولات الجولاني تكشف عن براغماتية مفرطة، حيث أعاد تشكيل أيديولوجيته وتحالفاته حسب الحاجة. من الانشقاق عن داعش إلى فك ارتباطه بالقاعدة، تبدو كل خطوة وكأنها محاولة للبقاء في صدارة المشهد.
لكن آخرين يرون في هذه التحولات قدرة على التكيف مع المتغيرات. في صراع معقد مثل الحرب السورية، قد تكون البراغماتية هي السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة.
تحديات داخلية وخارجية
رغم نجاح الجولاني النسبي، يواجه العديد من التحديات:
- الضغوط الدولية: تصنف هيئة تحرير الشام كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة وروسيا، مما يجعلها هدفًا للضربات الجوية والعقوبات الاقتصادية.
- التحالفات المتقلبة: تحتاج الهيئة إلى موازنة علاقتها مع تركيا، التي تعتبر شريكًا حيويًا ولكنها أيضًا منافس محتمل.
- الصراعات الداخلية: انشقاقات داخلية وخلافات مع جماعات جهادية أخرى تهدد استقرار الهيئة.
الجولاني والمجتمع الدولي
يحاول الجولاني تحسين صورته دوليًا، حيث ظهر في مقابلات نادرة يرتدي ملابس مدنية ويتحدث عن طموحاته في حكم إدلب كقوة محلية مستقلة. هذه المحاولات تعكس رغبة في كسب الشرعية الدولية، لكن قبول المجتمع الدولي لا يزال بعيد المنال.
شخصية معقدة في مشهد مضطرب
رحلة أبو محمد الجولاني من داعش إلى هيئة تحرير الشام تكشف عن شخصية معقدة تجمع بين البراغماتية والأيديولوجيا. في حين يراه البعض انتهازيًا استغل الفوضى السورية، يراه آخرون قائدًا ذكيًا استطاع التكيف مع ظروف مستحيلة.
في نهاية المطاف، يبقى السؤال: هل يمثل الجولاني حقًا تحوّلًا استراتيجيًا في مسار الجهادية العالمية، أم أنه مجرد انعكاس آخر للفوضى التي اجتاحت سوريا؟
رؤية الغد تتابع الحدث
إرسال تعليق