وتقول شركة بوينج إن الطلب على طائرات الشحن الكبيرة سيكون مرتفعا خلال العشرين عاما المقبلة. |
التجارة الإلكترونية: محرك الثورة الجديدة في الشحن الجوي
تشير توقعات "بوينغ" إلى أن الشحنات السريعة ستستحوذ على ربع حجم أعمال الشحن الجوي العالمي بحلول عام 2043، حيث من المتوقع أن تنمو بمعدل أسرع بنسبة 33% مقارنة بالشحن العام. هذه الزيادة ليست مجرد أرقام؛ بل تعكس تغييرات جذرية في سلوك المستهلك العالمي الذي أصبح يعتمد بشكل أكبر على التسوق عبر الإنترنت للحصول على السلع بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
منذ منتصف عام 2023، شهدت الصناعة تحولًا كبيرًا مع تركيز الأسواق الصينية على تلبية طلبات المستهلكين مباشرة. وتعتبر هذه الاستراتيجية بمثابة "لعبة تغيير" لصناعة الشحن الجوي، حيث تضاعفت مبيعات التجارة الإلكترونية العالمية خلال السنوات الخمس الماضية إلى أكثر من 6 تريليونات دولار، مع استمرار نموها بمعدل 9% سنويًا، وخصوصًا في أسواق جنوب وجنوب شرق آسيا الناشئة.
لماذا الشحن الجوي؟
رغم توافر المساحات الشحنية الكبيرة على الرحلات الجوية الدولية للركاب، إلا أن الطائرات المخصصة للشحن أصبحت الخيار الأفضل بسبب المرونة العالية التي توفرها وجدولة أكثر دقة. وفقًا لتحليل "بوينغ"، فإن النمو الاقتصادي العالمي، وتنوع سلاسل التوريد بعيدًا عن الصين، والطلب المتزايد على التجارة الإلكترونية، ستدفع أحجام الشحن الجوي للنمو بمعدل سنوي يبلغ 4%.
وبينما تعتمد التجارة الإلكترونية بشكل كبير على السرعة، فإن شركات النقل السريع مثل FedEx وUPS وDHL تلعب دورًا حاسمًا في تلبية هذا الطلب. تتوقع "بوينغ" أن ترى هذه الشركات نموًا في الحجم بنسبة 5.8% سنويًا، مقارنة بـ 3.6% فقط للشحن العام، مما يجعلها اللاعب الرئيسي في مستقبل الشحن الجوي.
تحولات جغرافية: ما وراء الصين
شهدت السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا في مصادر التصدير من آسيا إلى الولايات المتحدة. بينما كان 37% فقط من صادرات الشحن الجوي من آسيا إلى الولايات المتحدة تأتي من خارج الصين قبل خمس سنوات، فإن النسبة ارتفعت اليوم إلى نحو 50%. هذه التحولات ليست مجرد نتيجة للتغيرات الاقتصادية، بل تأتي أيضًا نتيجة لسياسات الرسوم الجمركية على الصين، مما يدفع الشركات المصنعة إلى البحث عن مصادر بديلة.
زيادة أساطيل الشحن: من الطائرات إلى الحلول الذكية
تتوقع "بوينغ" أن يرتفع أسطول الشحن الجوي العالمي إلى 3,900 طائرة بحلول عام 2043، مقارنة بـ 2,340 طائرة في عام 2023. وسيشمل ذلك زيادة ملحوظة في الطائرات العريضة الكبيرة التي ستشكل الجزء الأكبر من القدرات العالمية. اللافت أن حوالي 70% من عمليات تسليم الطائرات ستأتي من تحويل طائرات الركاب المستخدمة إلى طائرات شحن، مما يجعل هذا الخيار أكثر جاذبية اقتصاديًا لشركات الطيران.
كيف تغيرت الأرقام بعد الجائحة؟
مع الانخفاض الكبير في الرحلات الجوية للركاب خلال جائحة كورونا، تحملت طائرات الشحن العبء الأكبر، حيث نقلت أكثر من 70% من حركة الشحن الجوي بين عامي 2020 و2021. وعلى الرغم من عودة الرحلات الجوية تدريجيًا، فإن طائرات الشحن لا تزال تمثل العمود الفقري لصناعة الشحن الجوي، حيث تنقل نحو 54% من أحجام الشحن.
لكن ما يثير الاهتمام أكثر هو كيفية تفاعل الشركات مع هذه التغيرات. فعلى سبيل المثال، زادت شركات النقل الجوي الرئيسية مثل FedEx وUPS وDHL وأمازون من عائداتها لتصل إلى نحو 45% من إجمالي إيرادات الشحن الجوي العالمي.
تأثير جغرافي واضح: الشرق الأوسط وآسيا في الصدارة
تلعب شركات الطيران في الشرق الأوسط، مثل الخطوط الجوية القطرية وطيران الإمارات، دورًا محوريًا في نقل الشحنات بين مختلف المناطق، مستفيدة من موقعها الجغرافي المميز. كما أدى إغلاق المجال الجوي الروسي أمام شركات الطيران الغربية إلى تعزيز مكانة هذه الشركات في السوق العالمية.
أما في آسيا، فإن النمو الاقتصادي القوي والطلب المتزايد على التجارة الإلكترونية في بلدان مثل الهند وجنوب شرق آسيا، سيؤدي إلى نمو السوق بشكل غير مسبوق، مع توقعات بأن السوق الهندي للشحن الجوي المحلي سيضاعف حجمه أربع مرات خلال العقدين القادمين.
مستقبل مشرق ولكن بتحديات
رغم التوقعات المتفائلة، تواجه صناعة الشحن الجوي تحديات كبيرة. من أبرزها الحاجة إلى تلبية الطلب المتزايد على الطائرات الأكثر كفاءة، واستبدال الطائرات القديمة، إلى جانب التعامل مع التغيرات المناخية التي قد تؤثر على كفاءة العمليات اللوجستية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التحولات في سلاسل التوريد وتغير سياسات التجارة العالمية ستفرض ضغوطًا على الصناعة لتظل مرنة وقادرة على التكيف بسرعة مع المتغيرات.
خلاصة: كيف يبدو المشهد بعد 20 عامًا؟
مع استمرار نمو التجارة الإلكترونية وزيادة الطلب على الشحن الجوي السريع، من الواضح أن صناعة الشحن الجوي على أعتاب عصر جديد. عصر يتطلب استثمارات ضخمة في التكنولوجيا والبنية التحتية، إلى جانب الابتكار المستمر لتلبية احتياجات السوق.
فهل ستنجح الصناعة في تحقيق هذه الطموحات؟ وهل ستكون الشركات قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية؟ تبقى هذه الأسئلة مفتوحة، ولكن من المؤكد أن السنوات القادمة ستشهد تطورات هائلة ستعيد تشكيل مستقبل الشحن الجوي.
رؤية الغد تتابع الحدث
إرسال تعليق